فصل: 12- الجهر بقراءة القرآن والإسرار أيهما أفضل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.11- تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها:

يسن تحسين الصوت بقراءة القرآن وتزيينها، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري. وكان حسن الصوت بالقرآن. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمعه يقرأ القرآن فأعجبه. فقال له: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير ال داود» المراد داود نفسه؛ لأنه لم ينقل أن أحدا من أولاد داود. ولا من أقاربه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي. والمراد بالمزمار الصوت الحسن، وأصله الآلة أطلق على الصوت الحسن للمشابهة.
وروى ابن حبان وغيره: «زينوا القرآن بأصواتكم» وفي لفظ عند الدارمي: «حسنوا القرآن بأصواتكم. فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» وأخرج البزار وغيره حديث: «حسن الصوت زينة القرآن» وفيه أحاديث صحيحة كثيرة. فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج إلى حد التمطيط.
القراءة بالألحان والتطريب، والترنيم، والنغم. وإليك الحكم في هذا؛ قال الإمام النووي: وأما القراءة بالألحان فنص الشافعي في المختصر أنه لا بأس بها. وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة. فقال أصحابه: ليس الأمر على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين. فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز، وإلا حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم، وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية: إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب وإلا فلا.
وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقا.
وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة، وهو شذوذ لا يعرج عليه.
والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح؛ ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم فإن حسن الصوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء؛ فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء.
وهو كلام من التحقيق والتدقيق بمكان، وقد فصل القول غاية التفصيل وأحسنه، وفيه الكفاية لمن يريد معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام، وقد ورد في هذا المعنى حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق، فإنه سيجيء أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم» أخرجه الطبراني والبيهقي. ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها، وذلك لحديث أبي موسى الذي ذكرناه آنفا؛ ففي رواية مسلم في صحيحه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة» فقال أبو موسى: أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا؛ أي: لزينته، وحسنته تحسينا.
ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها، وهي: أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها، ويستحب قراءته بالتفخيم لحديث الحاكم: نزل القرآن بالتفخيم. قال الحلبي: ومعناها: أن يقرأه على قراءة الرجال، ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء.

.12- الجهر بقراءة القرآن والإسرار أيهما أفضل:

وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة، وأحاديث تقتضي الإسرار وخفض الصوت؛ فمن الأول: حديث الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» وقوله يجهر به: تفسير من أبي سلمة بن عبد الرحمن ليتغنى، أدرج في الحديث، وفي رواية ابن عيينة تفسيره: بـ «يستغني به» وقد اختلف العلماء في معنى يتغنى على أقوال: أحدها تحسين الصوت بقراءته والجهر به، ثانيها الاستغناء، ثالثها التحزن، رابعها التشاغل، وإنما يتم الاستدلال به على المعنى الأول وهو يشهد أيضا لتحسين الصوت بالقرآن.
ومن الثاني: حديث أبي داود والترمذي والنسائي «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة»، قال النووي: والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء، أو تأذى مصلون، أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك؛ لأن العمل فيه أكثر؛ ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: «ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة». وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار.

.13- أيهما أفضل القراءة من المصحف أم من الحفظ:

قال السيوطي: القراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه؛ لأن النظر فيه عبادة، وقال النووي: هكذا قال أصحابنا، والسلف أيضا، ولم أر فيه خلافا، ثم قال: ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة فيه لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة فيه ومن الحفظ ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل بذلك خشوعه، ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف- لكان هذا قولا حسنا قال السيوطي: ومن أدلة القراءة في المصحف ما أخرجه الطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أوس الثقفي مرفوعا: «قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة».
وأخرج أبو عبيد بسند صحيح: «فضل قراءة القرآن نظرا على ما يقرأه ظاهرا. كفضل الفريضة على النافلة» وأخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا: «من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف» وقال: إنه منكر، أقول.. والمنكر لا يحتج به، وأخرج بسند حسن عنه موقوفا: «أديموا النظر في المصحف».
وحكى الزركشي في البرهان ما بحثه النووي قولا: وحكى معه قولا ثالثا أن من الحفظ أفضل مطلقا، وأن ابن عبد السلام اختاره؛ لأن فيه من التدبير ما لا يحصل بالقراءة من المصحف، وأنا أميل إلى هذا القول، وأرجحه لما فيه أيضا من تثبيت المحفوظ والتأكيد منه ولا كذلك لو قرأ من المصحف.

.14- قال في التبيان:

إذا ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه، فسأل عنه غيره: فينبغي له أن يتأدب بما جاء عن ابن مسعود والنخعي، وبشير ابن أبي مسعود قالوا: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت ولا يقول: كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه، وقال ابن مجاهد: إذا شك القارئ في حرف هل هو بالتاء، أو بالياء فليقرأه بالياء فإن القرآن مذكر، وإن شك في حرف هل هو مهموز، أو غير مهموز فليترك الهمزة وإن شك في حرف هل يكون موصولا، أو مقطوعا فليقرأ بالوصل وإن شك في حرف هل هو ممدود، أو مقصور، فليقرأ بالقصر، وإن شك في حرف هل هو مفتوح أو مكسور، فليقرأ بالفتح؛ لأن الأول غير لحن في موضع والثاني لحن في بعض المواضع.
قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: إذا اختلفتم في ياء وتاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن، ففهم منه ثعلب أن ما احتمل تذكيره وتأنيثه كان تذكيره أجود، ورد بأنه يمتنع إرادة تذكير غير الحقيقي التأنيث لكثرة ما في القرآن منه بالتأنيث نحو: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ}، {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}، {قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} وإذا امتنع إرادة غير الحقيقي، فالحقيقي أولى؛ قالوا: ولا يستقيم إرادة أن ما احتمل التذكير والتأنيث غلب فيه التذكير؛ كقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ}، {أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} فأنث مع جواز التذكير قال تعالى: {أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}، {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} قالوا: فليس المراد ما فهم بل المراد يذكروا بالموعظة والدعاء، كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ} إلا أنه حذف الجار؛ والمقصود ذكروا الناس بالقرآن، أي: ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه قال السيوطي: أول الأثر يمنع هذا الحمل.
وقال الواحدي: الأمر ما ذهب إليه ثعلب، والمراد أنه إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكر نحو وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ قال: ويدل على إرادة هذا أن أصحاب عبد الله بن مسعود من قراء الكوفة كحمزة والكسائي، ذهبوا إلى هذا، فقرءوا ما كان من هذا القبيل بالتذكير، نحو يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وهذا في غير الحقيقي.
أقول: ولست من هذا الذي ذكروه على ثلج، ولا اطمئنان، فالنص القرآني لا يجوز فيه الاجتهاد، ولا إبدال حرف منه بآخر، ولا كلمة بأخرى ولا يجوز التصرف في حروفه إلا في حدود ما تلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وتلقاه النبي عن رب العزة عن طريق جبريل. ومن شك في حرف أهو بالياء أم بالتاء، وأ هو بالتذكير أم بالتأنيث فليمسك عن قراءته، وليرجع إلى المصحف. أو إلى حافظ ليتأكد من النص القرآني، نعم: ما فيه قراءتان أو أكثر فله أن يقرأه بإحداهما. ولعل أثر ابن مسعود رضي الله عنه إن صح محمول على ما فيه أكثر من قراءة من هذا القبيل فيؤثر قراءة التذكير على التأنيث. لا أنه يقول ذلك ما دام يجوز لغة؛ لأن كثيرا مما جاز لغة لم يجز قراءة؛ وإنما القراءات في حدود المأثور. المنقول بالتواتر. وما من قراءة إلا ولها وجه في اللغة العربية.